مقبرة اليراعات

 مقبرة اليراعات

اخ و اخت وحيدان في قرية تحت هجوم الحرب العالمية الثانية 

في هذا الفلم الرجال و النساء البنات و الاولاد الذين لا تسلط عليهم الاضواء في  الاعمال التي تتحدث عن الحروب حتى لو ظهروا يؤدون ادوارا جانبية صغيرة جدا  .
الشخصيات الرئيسية هما طفلان مثلهما مثل الملايين من الاطفال الذين لم يظهروا على المنصة الرئيسية في تاريخ الحرب العالمية الثانية او في تاريخ الحروب كلها.
الطفلين هما يتيمين يابانين  سيتا  واخته سيتسوكو  من اسرة ميسورة الحال , والدهما الغائب ضابط في البحرية اليابانية وامهما تعيش معهما وتربيهما في بيت لا يختلف عن بيوت جيرانه في شيء , اسرة عادية ليس لها من الشهرة اي شيء وبالذات سيتا وسيتسوكو.
الحرب التي ارعبت الناس تأتي بالطائرات التي تدمر و تحرق بقذائفها . وفاة والدة سيتا و سيتسوكو و احتراق منزلهما هو الحدث الجوهري في هذه القصة الذي رماهما امام الهاوية و القى على ظهر سيتا أحمال شديدة الثقل . 
البطل اليافع هو فتى ياباني عادي عمره 12 عاما مقدر لوالده ويطمح ان يكون مثله ضابطا في الجيش الياباني مثله مثل الكثيرين من ابناء جيله.
البطلة الصغيرة هي طفلة يابانية عمره 4 سنوات ايضا هي طفلة عادية مثلها مثل اي طفلة في عمرها في ذلك الوقت .
الاماكن الرئيسية هي مدينة صغيرة مثلها مثل اي مدينة في اطراف اليابان و قرية ريفية قربها . 
اغلب الاعمال التاريخية التقليدية و منها الاعمال التي تتحدث عن الحروب تبتعد عن مثل هذه الاماكن و تركز على الاماكن التي حدثت فيها مصيبة عظيمة مختلفة عن غيرها او في مكان له اثر او اهمية لدى الرأي العام لدى الناس في تلك الفترة .
لكن هذا الفلم انتج في مدينة لم يكن لها من الرأي العام شيء وذكرت في اسطر الجرائد احرف و ارقام . لذلك مثل هذه المدينة ليس فيها مباني عملاقة ولا احزاب ولا شركات ولا قصور ولا عائلات قوية ولا مؤسسات مميزة ولا اصحاب نفوذ ليس فيها الا عامة الناس من الفقراء و الطبقة المتوسطة الذين  جعلتهم الحرب سواء . 
في هذا الفلم توصف الشخصيات وتحلل هذه الفترة بلا قيود او تدخلات او احكام اولية التي جلبتها الاعمال التقليدية المشهورة التي تتحدث عن فترة الحرب العالمية الثانية في اليابان او في العالم او عن الحروب او حتى عن التاريخ عامة . عندما نبحث و ندقق في التاريخ نرى ان الامر اكبر واهم من صراع سياسي بين طبقات حاكمة او احزاب او جيوش . تصبح الاسباب الاقتصادية هراء لا معنى له عندها نرى ان كل تلك الحروب ليست سوى حرب على الانسان و حربا داخل المجتمع . 
البحوث التي اجريت اثناء الحرب العالمية الثانية و بعدها والتي حوربت هي ايضا من ان تنتشر وان يتعرف الناس عليها فضحت تلك الفئة التي كانت تتشدق بكلمات مثل الحضارة والحرية والمساواة والاخاء فهي لم تكن الا تدمر الحضارة و تخنق الحرية و تفسد المساواة وتقطع الاخاء . و المفسد دائما ما يرفع راية الإصلاح ! .
انتشرت هذه البحوث و المعلومات في الكثير من الدول لكنها كانت دائما هناك محاولات لتضليلها و طمسها و تخريبها بالذات في تلك الدول التي تضررت اشد الضرر من الحروب التي سلطتها عليهم جيوش غربية و احتلتها بها تلك الدول التي نست ما كانت تفعل لها تلك الجيوش فدخلت هذه الدول التي خرجت لتوها من الاحتلال الى حروب في ما بينها وفي ما بين اهلها بتحريض من ذات الجيوش التي احتلتها بالأمس !!

اليابان مثال معاكس تماما فهي لم تنخدع بألاعيب تلك الفئة التي قسمت اليابان لفترة من السنوات لأربع اقسام على اربع دول . ولم تنخدع بعد ان انتهت فترة الاحتلال فرفضت الحرب ورفضت ان تدخل في موجة حقد مثل ما فعلت العديد من الدول الاخرى التي اعادتها للحروب مرات عدة ولم تأخذها العزة بالإثم فاعترفت بخطئها ومشاكلها ثم اختارت ان تركز على ان تدعم التنمية والسلام في بلدها .

هذا الفلم هو واحد من جمع غفير من الاعمال اليابانية التي روجت للسلام والانسانية وراجعت فترة الحرب العالمية الثانية من هذا المبدأ لكن بصورة مختلفة وغير مباشرة . مهمة صعبة واختار هذا الفلم طريقها الاصعب فهو لم يجري ليعلقها على شماعة " العدو " و المحتل لكن اختار ان ينقد اهله وهو خيار صعب لكونه يحتاج لمقدار عالي من الدقة عكس الخيار الاخر الذي من السهل استخدام ونشر الاشاعات و الاكاذيب فيه وهو النوع الذي يزعج عددا من الجمهور دائما لانه من الصعب ان ترى جمهورا يسمع ويجلس لمن ينتقده . ظاهريا هذا الكلام يشك فيه لكون الفلم يتحدث عن اليابان في فترة الحرب العالمية الثانية فهو ينتقد اليابانيين في ذلك الوفت لكنه هي اعماقه ينصح الجمهور الذي يجلس امام الشاشة ويرى الفلم ,بتلميحاته و بأسلوب مؤدب لطيف متفاديا جرح الناس .

سيتسوكو 

ملاك صغير استمتع والعب كما الفراش ابتسم وافرح فبهجتك النور الذي يسعد من هو قريب منك صفاءك هو سلامنا و بساطتك تثلج الصدور .

سيتا 

هو الفارس المغوار عريض الظهر واسع الصدر رقيق القلب لبق الكلام 
حاملا الحب على ظهرك و دافنا لحزن العالم تحت عينيك لا تخبئه عني اخي
اخي انا منك وفيك اخي ارني دموعك اخي أرجوك لا تذهب بعيدا .


الام

ام اكثر من تثق به و تحترمه هو ابنها البكر حتى لو كان الموت يحلق فوقها فرؤيتها لطفليها سعادة و مأوى لها حتى لو كان المرض يتعبها لكن الابتسامة لا زالت على محياها حتى لو كان الرعب يدق ابوابها لا تريد ان تشعر طفليها ظل الخوف .

الاب

ابي المحارب المغوار عريض الظهر واسع الصدر حسن الخلق قليل الكلام كثير الفعال
ابي أين انت ؟ ابي هل انتهى غيابك ؟ محال ان مجدك قد زال ؟

قذائف الطائرات

لست تبالي حتى قتلت الرضيع او العجوز او الشيخ هي لا تجلب الا الدمار ولا تجذب الا الكوارث ولا تشعل الا الذعر من فوق السحاب تحت الغيوم تباغت المدن والقرى فتفتكها وتهلكها دون انذار وتذهب بلا ان تحاسب على ما اقترفت .
او تظل مع جريمتها مستفزة و مستهزئة .

المدينة المذعورة 


في هذه المدينة التي تقطن بين الجبال و اعلاها سحب الموت الناس في هرج و مرج الناس في موت ويأس الناس في خوف وغضب الناس في استسلام و لامبالاة . الناس تبلدت احاسيسهم . لكنها ما زالت تطمح للحياة .

بيت العمة

كان يفترض به ملجأ فكان اسوء من انفاق الحرب . ليس كبيت أمي لا حنان فيه ولا وئام الا بمال يؤكل و رز يسرق كما سرق قلب العمة وقلوب اهل البيت 

الكهف الصغير

في قرية لا نعرف فيها أحدا كان هذا الكهف الصغير هو عشنا و ملجأ يحمينا من القصف بينما الناس في ذعر هو الوحيد الذي فتح ذراعيه لنا حتى لو كان مزريا لكننا نستطيع ان نجعله جميلا . نحن وليس انت وحيدا .

القذائف تسقط أولا داخل روح الانسان ثم تصوب الى البشر بلا سلاح ثم تقصف على البشر مرة اخرى بالحديد و النار !

عندما يصنع فلم سواء كان موجه للأطفال ام لغيرهم يجب في البداية ان تكون مادته تخاطب روح الانسان قبل ان تخاطب عقله . أليست حياتنا اصلها ارواحنا فلماذا لا نظن ان افعالنا و تغيراتها اصلها قلوبنا و تغيراتها . سبب وجود تلك الطائرات التي قصفت منزل سيتا و سيتسوكو هو وجود طيار حربي كان يريد قتل الابرياء ولا يبالي بأرواحهم اذا اتاه امر بقصفهم ولا توجد لديه مشكلة ان يكذب و يدعي ان المدينة كانت فيها مواقع عسكرية وهو يعلم عكس ذلك . 
ذات عدم المبالاة كانت ساكنة في أرواح الناس الذين استحقروا سيتا الذين كان في حالة يرثى لها وهو في سكرات الموت يلفظ انفاسه الاخيرة . وهي ذات الروح التي كانت في قلب عامل النظافة في محطة القطار الذي ضرب سيتا بعصا ممسحة الارض وقال بتململ هنا واحد ميت اخر ثم رمى الصندوق الذي فيه عظام سيتسوكو كما يرمى كرة البيسبول لأن مديره قال له "ارمها رمها" و هي ذاتها في تلك الجماهير التي كانت تصفق لجنود الجيش الياباني وهم في طريقهم لإحتلال جيرانهم وهي ذاتها التي غضت بصرها عن جرائم الجيش الياباني في جيرانه وفي ابناء اليابان أنفسهم وهي هي نفس الروح التي رضخت للفئات المتسلطة من العسكريين و السياسيين اليابانيين و تركت مصيرها و حياتها رهنا بين ايديهم فباعوها بلا تردد عندما تأزمت بهم الامور فزجوا بأبنائهم الى ساحات الحرب ودفعوهم للإنتحار ثم تركوا ابائهم وامهاتهم لكي تحرقهم نار القصف خوفا من ان يقتلهم العدو اذا استسلموا له او يجردهم من منصابهم . 
وهذه ليست يابان الحرب العالمية الثانية فقط بل اي دولة تعيش الحروب هي في الأمر سواء مهما كانت التبريرات التي ستسمعها سواء كانت باللغة العربية ام الإنجليزية ام الفرنسية او غير ذلك . ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ)

أناس طيبون يفعلون افعالا طيبة لكنها تؤدي الى نتائج كارثية !!

فلم مقبرة اليراعات فلم شديد الواقعية فهو لا يستعمل ابدا قالب الصراع بين الخير و الشر كما هي عادة افلام جيبلي مثل ناوشيكا و الاميرة مونونكي و بوم بوكو و بوركو روسو و فلم المخطوفة " Spirited Away "  ولا يستعمل الاسلوب الكتابي النمطي الضعيف الذي يستعمل الكثير من اعمال الانمشين اليابانية في " الشرير لكنه ماضيه طيب و الطيب لكن ماضيه سيء " لكن بواقعية و حيادية  ففي حياتنا يحمل الناس قناعات متضاربة فترى احدهم يرى بضرب الأطفال لكنه ايضا كثير التصدق على الفقراء أو إمرأة لا تحترم زوجها أو والدها لكنها تدافع بقوة عن حقوق المظلومين في افريقيا مثلا  او غير ذلك قد تكون لك متضاربة لكنها لديهم كلها صحيحة و حقيقة . نحن البشر لم نخلق كاملين ولا كذلك شخصيات فلم مقبرة اليراعات فالرجل الذي تقرف من سيتا كقد يكون رأه مشردا مثل غيره من الاطفال المشردين في تلك الفترة الذي قد يمكن ان كان احدهم قد ضايقه او ضره وهو يبتعد عنه اتقاء للشر ذات الفعل قد نفعله نحن ذاتنا فنلقي بكلمة او نقوم بشيء خوفا من شر او بناء على مواقف سابقة فنكون أخطأنا في حق احد دون ان ندري . حتى ذلك العامل الذي رمى العلبة التي فيها رفاث سيتسوكو لم يكن يعلم ذلك حتى نحن قد نفعل امور خاطئة بجهلنا و عدم معرفتنا بما تحمله من اهمية و معنى لدى الاخرين ونكسل ان نسأل ونستفسر كما كسل ذلك العامل ان يعرف ماذا في العلبة . حتى العمة قد تكون لها ذات التبريرات التي يقولها كثير من الناس مثل كيف اساوي بين هذين الطفلين الذان لا يعملان شيئا بزوجي وبنتي اللذان يجتهدان الليل و النهار , او انا الوحيدة في العالم الذي أويتهما و حميتهما من الحرب استحق ان اخذ من اموالهما حقي وحق زوجي و بنتي , او أنا مشغولة وعلي ضغوط كثيرة ونحن في الحرب لا أستطيع ان اتحمل مسؤولية هذين الطفلين المدللين . هذا ليست الا دعوة لعدم الاستعجال في الحكم على الناس او التكبر عليهم و دعوة لمراجعة النفس لعلها تحمل ما تكره ان تراه في غيرها ! و سيتا بطل القصة شديد الطيبة سرق كذلك !!

هذه ليست قصة انسان اخر هذه هي قصتي انا ! 

كاتب قصة الفلم الاصلية هو السيد اكييوكي نوساكا ولد عام 1930 اي قبل الحرب العالمية ب9 سنوات كان يتيما فتبناه رجل من عائلة تسمى هيرامايا وعاش معهم في مدينة كوبي ومعه اختيه واحدة منها توفت بسبب سوء التغذية و والده بالتنبي مات في القصف على مدينة كوبي عام 1945 واخته الصغرى كييكو توفت بين يديه في ذات العام في مدينة فوكوي بسبب سوء التغذية فكتب لها رسالة اعتذار عام 1967 تحت غلاف القصة القصيرة " مقبرة اليراعات " 
في لقاء مع مخرج فلم مقبرة اليراعات منشورة في مجلة Animerica من كتاب ايساو تاكاها Eiga o Tsukurinagara Kangeta koto (" أشياء افكر بها عندما اصنع الافلام" ) 1991 مأخوذ في الاصل من مجلة Animage . يحكي الكاتب نوساكا : " كتبت هذا الكتاب عام 1967 في وسط ازدهار الاقتصاد الياباني . من منظوري كان وقتا غريبا . اعتقدت ان روح البشرية الحقيقية كانت مختلفة  وأردت ان اصف الانسانية المثالية بين اخ واخت او من منظور اوسع بين رجل و إمرأة . بناءا على تجاربي لكن في هذا الشأن أردت ان اضع الشخصية الرئيسية في وضع مثالي . لقد كنت ساذجا قبل ان اصل لعمر الرابعة عشر , بالتالي أسوء من الاولاد الأخرين , وكان على ان انضج بسرعة بسبب هذا الوضع ولم اكن احب ذلك الوضع أبدا . كان على انضج واتكيف مع الحياة في كل يوم بسرعة مثل من يشاهد فيديو مسرع . غالبا ستنضج ببطأ بعد عدة سقطات و غدرات وبعد ان ترى لامبالاة البالغين . لكني كان علي ان اخوض كل تلك العشر سنين في شهر لذلك اي قدر من المكر كان فيني خرج الى السطح وبشكل جرئ . سندي الوحيد كان اختي ذات العامين من العمر عندما كنت أسرق كنت أبرر سرقتي بأنها لأجل أختي . عندما كنت انضج بسرعة مشاعري بأني لا أريد ان اكبر او الذنب انني كنت افعل اشياء سيئة في طريقي لأن انضج كان يبرر بوجود اختي .
موت اختي كان هو الموافق تماما لما في الرواية . اسبوع واحد بعد نهاية الحرب . في أرياف مدينة فوكوي عندها كان اليوم الذي ازيلت فيه القيود على الإنارة . لقد كان الثاني والعشرين . كان مساءا وكنت اخذ عظام اختي وعندما كنت عائدا للمنزل واشعر بالدواخ رأيت القرية منارة لم يكن هناك اي شيء مثل فجئتي في ذلك اليوم . اختى توفت في الجانب الاخر من العالم والانوار كانت عادت الى الجانب الاخر عودة الانوار كانت ايضا تعني عودة السلام وفي ذلك الوقت شعرت عميقا انني نجوت , والذي كان شعورا مخيفا جدا . 
يسأله ايساو : كيف كان شعورا مخيفا ؟
فيجيب : حسنا , كان علي ان اعيش في المكان الذي عادت اليه الانوار . في ذلك الوقت شعرت انني اقدر ان اعيش في الظلام الدامس . لقد فعلت اشياء سيئة عدة , لكنها كلها كانت في العالم المظلم لكن النور عاد والحياة المدنية العادية عادت . لقد كنت مشوشا كيف لولد في الرابعة عشر الذي قد نضج يسرعة ان يعيش في عالم كهذا و قد كان ذلك بعد وفاة اختي سندي الوحيد.
ايساو : نعم
نوساكا : لأتحدث بصدق , كان هناك ايضا شعور بالارتياح بعد ان توفت اختي و الحمل على ظهري ذهب . لا احد سيوقظني في الليل كما كانت تفعل ببكائها ولست مضطرا لحمل طفلة على ظهري حول الارجاء مجددا , انا اسف انني اقول هذه الاشياء عن اختي , لكن هذه المشاعر جاءت إلي  ولذلك لم اقرأ روايتي مرة اخرى , لأنني اكرهها . انه امر منافق جدا . سيتا حتما ظن ان اخته عبء أيضا . "


شخصية العمة هي مثال لعدد كبير من ربات المنازل

شخصية عمة سيتا و سيتسوكو هي اكثر شخصية عامة لربات المنازل او الامهات او للبشر بشكل اعم الذين سيظهرون امام الضيوف بمظهر ظريف و كريم وسهل التقرب اليهم و اذا جاءهم الاطفال سيبتسمون لهم ويتكلمون معهم بلين حتى لو كانوا من داخلهم منزعجين منهم . يأخذون مسؤوليات البيت بجدية فتجدهم يحضرون الطعام في وقت محدد سواء عند العودة من العمل او عند الذهاب اليه . يهتمون بترتيب البيت ونظافته كذلك . لكنهم غالبا يكونون منزعجين من هذا الامر مع انهم يقضون معظم اوقاتهم فيه لكنهم في العمق يكرهونه وفي نفس الوقت هو بالنسبة لهم مهمة و واجب لا يشعرون بالارتياح ان لم يحققوه . قد يعتنون بأطفال غيرهم لكن ان لم يروا اي جدوى من ذلك ولا اي شيء يردعهم من ان يخرجوا جانبهم السيء عليهم سيفعلون ذلك وفي النهاية اغلبهم ستلعب دور الضحية و تبرر لنفسها ماذا تفعل . لكننا لا نستطيع ان نصفها على انها شخصية شريرة ابدا.


روح الحرب و روح المكان

روح الحرب عندما تجتاح مكان ما تنسجم كل الاشياء و تتحول الأجواء اليها . روح الحرب هي الخوف و اليأس و العار
بالذات في الاماكن التي تعيش وطأة الحرب تنتشر مظاهر الخوف و مظاهر اليأس و مظاهر العار مثلا في فلم مقبرة اليراعات عندما كان سيتا و سيتسوكو يعيشان وطأة الحرب كان يعيشان في حي يحترق بأكمله بدون ان يكون هناك اي محاولة لإطفاء تلك النيران و بدون وجود اي محاولة لإنقاذ الناس الذي يحترقون و بدون وجود اي نية لعمل اي شيء يحمي الناس في المدينة من القصوفات المتكررة و المتوقعة . كان سيتا وسيتسوكو يعيشان في فترة القرارت و القوانين التي كانت توضع كلها كانت قرارات نابعة من خوف وجبن مثلا كانت هناك قيود على الإنارة بسبب انها توضح الرؤية للطيارين وهذه كذبة لا معنى لها فالقصوفات كانت تكون في وضح النهار او باستعمال الحساسات الحرارية او الرادوية في الليل غير ذلك اصلا موقع المدينة معروف وثابت و ايضا تستطيع الطائرات القاء قنبلة ضوئية لتكشف لها كل المكان بشكل اوضح حتى من انوار الشارع او البيوت الفقيرة او مكاتب الشرطة . ايضا هرب الناس و تدافعهم الشديد قد يرى من بعيد على انه تصرف طبيعي وجيد فكل انسان عليه حماية نفسه , لكن الحقيقة ان ما يحدث ان كل واحد منهم يبطأ الاخر في احسن الاحوال وأقلها أو يضرب الاخر و يصيبه سواء كانت اصابة قوية او عادية لكنها ابدا ليست خفيفة في اغلب الاحوال او يقتله دهسا او ان يتسبب في ان يعيقه فتلتهمه النيران . ايضا وجوه الناس وهم ينظرون للبعيد بعيون واسعة ومقلات مترددة او عيون ضيقة مظلمة بلا نور فيها . رؤوس منكسة و وجوه متبلدة و ابتسامات بلا هدف بعد ان فقدت كل ما تملكه وغير ذلك من التعابير المركبة و الدقيقة الاختلاف و الشيء العجيب ان فلم مقبرة اليراعات نجح في رسمها بشكل قاطع النظير وشديد البراعة و الحرفية . كذلك العار وهو التأنيب و تصاويره ورسمه تجلى بشكل مبدع في سيتا بعد ان توفت اخته سيتا تعابير وجهه من انحناءات و انكسارات و ظلال و بهتان و ظلام و تبلد و جمود وضعف صورت بشكل رهيب وعالي الدقة في بداية الفلم وفي أواخره . قد لا يعلم احد ما هي درجة صعوبة ان ترسم مشاعر يأس مرت على يتيم في الرابعة عشر من عمره في فترة الحرب اليابانية من أسرة غنية فقد اخته التي تصغره بالعمر 10 سنوات بعد ان سرق و اهملها بعد ان كانت سنده الوحيد في العالم الذي لا علاقة له بأحد فيه . هذه مسألة صعبة جدا ان تأخذ كل هذه المعايير و المتغيرات في عين الاعتبار وانت ترسم هذه الشخصية في هذه الحالة مثل ان تكتب شعر بمنهج علمي فالشعر يتجه لأن يستعمل بلاغة و كنايات وتشبيهات غير واقعية و قليلة القيود و المتغيرات و المعادلات لكن المنهج العلمي يسلك الطريق المعاكس فهو يفصل في هذه الامور . "كذلك الانمي هو في اصله اسلوب فني يتجه للمبالغة في وصف المشاعر فإبتسامة انمي هي اسعد ابتسامة و حزن انمي هو اتعس شيء  " هذه جملة قالها إيساو تاكاهاتا معبرا عن صعوبة وصف شخصية سيتا ذو الاربع عشر عاما في الفلم وكذلك اخته .

جرب ان ترى الحرب من عيون رضيع 

الرضيع لا يحتاج اكثر من حضن دافئ و غذاء ولا يستطيع ان يتواصل الا بالبكاء و الضحكات وبعض الاصوات الغريبة الاخرى ولا يستطيع الا ان يمشي . عندما يشتعل الحريق في البيت الرضيع لا يبكي لأنه يخاف من النار فهو لا يعرف اصلا ما هي النار بل يبكي لأنها سرقت منه حضنه الدافئ . عندما يجوع الرضيع ولا يجد غذاء يبحث عن غذاء وعن حضن دافئا ايضا فعلاج الجوع اولا هو الاطمئنان وبدونه يفقد الغذاء هدفه و يصبح بلا اهمية حقيقية . الحرب بكل بساطة بالنسبة لرضيع هي سرقة للحضن الدافئ الذي كان ينام عليه بهناء . الحرب بالنسبة لرضيع هي مجرد سرقة و امرتافه لا اهمية له في الحياة ولا معنى . لا اقول ان الرضع ملائكة فالرضيع لا يهتم بأن يشارك اكله لغيره ولن يراعي الضغوط التي على من يعتني به ولن يتذكره غالبا ولن يتذكر اعتنائه به . الرضيع لن يهتم بحزن من حوله " هذا شيء جيد فقط ذكرته اذا كنت تعتبره امرا سيئا " هو فقط يريد ان لا يكون حزينا مثلهم و يريد الحضن الدافئ و السكينة . مع ذلك لا زالت الحرب بالنسبة له امرا تافها لا معنى له وسرقة .

احرق الجثث واستمر في الحياة ! 

ان لم نتحمل المسؤولية لن نستطيع الاستمرار في الحياة . ان عشنا في عار وتأنيب سننتحر في نهاية المطاف . سيتا عندما كان يرى أمه وهي في اخر عمرها تحولت الى مومياء حية كان قلبه يعتصر على نفسه و على أمه لذلك لم يكن يصرخ " أنقذو امي " او " أمي !! " لأنه في اعماقه كان يحمل نفسه مسؤولية ما حدث لها . سيتا لم يبكي وهو يرى امه تحتضر سيتا لم يبكي بعد ان فارقت امه الحياة امامه وحده . سيتا لم يبكي عندما رأى اخذته تحاول ان تمسك دموعها وهي تقول أين امي ؟ سيتا لم يبكي عندما رأى اخته بكت وهي تمسح دموعها بعد ان فشلت كل محاولاتها في منعها . سيتا لم يبكي وهو يرى امه تحرق في منظر مهين مع كومة من الجثث تشبه الدفن الجماعي . سيتا كان يريد ان يبكي لكنه لم يستطع ذلك !  لأنه كان تحت ضغط هم شديد و تأنيب كذلك . لكنه في النهاية غفر لنفسه وسامحها و ربط على قلبه برسالة ومسؤولية حقيقية تدفعه للحياة وللعمل ولا تبعده عنها . لكنه بعد ان ماتت سيتسوكو غرق في وحدته مع التأنيب و العار التي فقد فيها اي نظرة ذات رسالة للحياة واي شعور طيب واي حس بالمسؤولية ولم يستطيع ان يغفر لنفسه وان يسامحها . فتوفى هو ايضا بعد وفاة اخته بأسبوعين راميا نفسه امام المارة في المحطة بعد انهار جسده و فارق الحياة .

  لا يمكننا تصوير الحياة ان لم نظهر حياديتها و مباغتاتها !

 الحياة محايدة ستقدم الطعام للسارق لكنها لن تقدمه للصالح العاجز . الحياة لا تسير بأماني اي احد سواء كان طيب ام سيء الحياة لا تسير الا لمن يسير لها مهما كان فكره و ارائه . من يسير الى الطعام سيلقاه من يسير الى الغنى سيره سيلقاه من يسير الى الحب سيلقاه ومن يسير الى الموت سيلقاه حتى وان لم يعلم انه يسير للموت . ومن يسير الى النعم سيلقاها حتى وان لم يعلم انه يفعل ذلك . لماذا المسلمين هم اكثر الناس مصائب و حروب اليوم ؟ مع انهم يرون انهم الاصلح و الاحسن لانها اماني فقط لا غير وليس فكر عميق ولا نوايا صادقة ولا اعمال حقيقية ( ليس بأمانيكم ولا أماني اهل الكتاب من يعمل سواء يجز به ) لذلك موسكو اكثر امانا من كابول عاصمة افغانستان و اطفال كوريا يعيشون حياة افضل من اطفال مقديشو عاصمة الصومال و جيف بيزوس اغنى من كل اهل شمال افريقيا و غربها و وسطها . الحياة ايضا لا تحمي المغفلين و الجهلة . ام سيتا لم تكن تعلم ان المحطة التي ستذهب اليها ستقصف . سيتا لم يعلم ان سرقته ستضر اخته . سيتسوكو لم تكن تعلم ان الزجاج و الفحم غير قابلين للأكل . كذلك العكس يحدث كثيرا يأتي الخير في مواطن لم يعلمها الانسان . نحن البشر لسنا نعلم كل شيء العكس نعلم القليل  . نحن لسنا كاملين ولا ينبغي لنا ذلك . الانسان لا يستطيع ان يعيش الا حياته هو فقط ولا يستطيع ان يعيش الا فيه ما يركز عليه فقط لذلك ركز على ما تريد واصدق في نيتك . في الحديث القُدُسي: «إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر»، قول النبي عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوىفمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه.
ولأننا لا نستطيع ان تحكم بتركيزنا بشكل كامل ولاننا معرضون خطأ فعلينا ان نتقبل اخطأنا و مشاكلنا وان نسلم براحة اذا كانت النتيجة عكس ما توقعنا فنحن لا نعلم كل شيء لكننا نعيش بثقة وسلام وتسليم لاننا نريد ذلك و نركز عليه.

تقنيات عرض وصلت لمنصات عالية على اقرانها 

قد نرى الجبل فنظن ان الجبل هو ما نراه . قد نرى انسان يخيط الملابس فنظن ان خياطة الملابس هي ما نراه . ليس ما نراه دائما هو الحقيقة لذلك علينا دائما ان نغير الزوايا التي ننظر بها للأمور وان نجرب وجهة نظر الاخرين . الانميشن من وجهة نظر ما هو عيون كبيرة و وجوه ناعمة وشعر حريري ملون و مقل براقة و ابتسامات خلابة . من وجهة نظر اخرى هي رسوم خيالية غير واقعية سيئة الذوق بسيطة الشكل كرتونية غبية لا تصور الحياة ولا الاحداث التي تحفر في الوجه و تظهر في تعابيره . هناك وجهة نظر اخرى الانميشن هدفه عرض اللطافة و الدفء في وجوه البشر من خلال وجوه و تعابير طفولية رقيقة و صافية مليئة بالفرح . هناك من يرى ان الانميشن هو حرفة و علم وفن يمكنك ان تخترع فيه ما تريد وان تصنع فيه ما تشاء بدقة عالية كدقة صناعة الساعات و الالات . مثلا الهندسة المعمارية التي تحاول ان ترسم المنشئات الهندسية تحتاج 5 سنوات او اربع لإتقانها لكي يتسطاع ان يرسم المنشئات بشكل علمي واقعي يساهم في بنائها . الفنان الواقعي الذي يرسم لوحة لمنظر طبيعي ما انسان ما او اي شيء تراه عينيه يحتاج لكي ان يرسم لوحته بذات الشكل الذي تراه عينيه ان يحدد وان يعرف تفاصيل كثيرة وان يحللها وان يعرف اين ستكون في رسمته وماهي الخطوط اللازمة لرسمها وماهي الالوان وماهي الزوايا والانحناءات و الانعكاسات والظلال و ماهي الخدع التي ستساعده في تنفيذ هذه المهمة غير الخدع التي ستمكنه من رسم الخلفية التي ستحتاج مثل هذا المستوى من الدقة . مثل هذه الاعمال الحرفية تحتاج الى جهد بالغ وتخطيط شديد و زمن طويل فلذلك من الصعب جدا ان نراها في عمل انميشن لانه يحتاج الى الاف اللوحات او الرسمات لتنفيذه وهذه قد تكون حلقة واحدة فما بالك بفلم . فلم مقبرة اليراعات بديع في رسم خلفيات لدرجة خيالية حتى افلام والت ديزني او اوسامو تيزوكا لم تصل الى هذه الدقة في رسم الخلفيات التي تقارن باللوحات الفنية , معظم الافلام تكتفي بعرض العلاقات بين الشخصيات البشرية لكن مقبرة اليراعات تعدى هذا المستوى ليصل الى عرض العلاقات بين الشخصيات و المكان الذي يعيشون فيه من بيئة بشرية و اخرى طبيعية . كان هذا اسلوب المخرج القدير إيساو تاكاهاتا و صاحبه هاياو ميازاكي منذ الانمي هايدي فتاة الألب الذي كان عملا ثوريا . فلم مقبرة اليراعات يعرض ما حول الشخصيات من جو او فصل و حتى اشعة الشمس و مياه و اشجار و اوراق متطايرة او حتى الفحم بشكل يصنع لها هي نفسها back story يستطيع المشاهد ان يعرفه كما يعرفه عندما يراه بأم يعنيه عندما يمشي في مكان ما وهذا امر عجيب ! . مثلا بسيط لكنه عميق , الاشتعال , فلم مقبرة اليراعات يتحدث عن حرب وقصوفات بالتالي ستظهر مشاهد كثيرة جدا فيها لهب و حرائق واشتعالات , لكن لم اتصور انني سأستطيع معرفة نوع المواد التي بني بها سقف بيت ما من خلال ان ارى كيفية تسلق النار فيه وانتشارها فيه واشتعالها عليه من فلم انيمشن !! يرسم باليد !!          أيضا في فلم مقبرة اليراعات يمكن ان تلاحظ ان هناك شيئا ما يشبه الفلتر البني في مشاهد الفلم وهذا لأن خطوط الرسم الخارجية التي تحدد وتغلق على شكل ما مرسومة بالبني وهذا امر غير معتاد تقول ميشيا هودا Michiya Hoda منسقة التلوين في فلم مقبرة اليراعات  : " السبب انها رسمت بالبني لكي تعطي شعورا ناعما للشاشة . انها تقنية لم تستعمل في الأنمي من قبل هذا , وكانت تحدي بالنسبة لنا . " طبقا لمنسقة التلوين في فلم مقبرة اليراعات هو لون يصعب استعماله في الخطوط الخارجية في الانميشن بدقة لأنه ليس واضحا بفعالية كما الاسود . في الحالات التي كان لازما بها ان يستعمل الاسود كان يستعمل ببخل . " المصدر : مجلة Animerica عن لقاء ايساو تاكاهاتا مع نوساكا في مجلة Animage *. لا اعلم ماهي الاسباب التي دفعتهم لإختيار البني كلون للخطوط الخارجية لكني متأكد ان احدها هو لكي يتقن عرض النيران بشكل واقعي في الفلم . مثل هذه التفاصيل هي التي ترينا ابداع فلم مقبرة اليراعات والمنصة العالية التي ارتقاها في صناعة الأنميشن .                                

المعاناة طريق للوصول الى النجاح ؟ و الى درجة ساهمت الحروب في تطور الحضارة ؟

هناك الكثير من الناس لم يبدأ ان يسلكوا دربا افضل لهم الا بعد ان مروا بمشكلة و معاناة ما . اليابان كذلك بعد ان عانت من ويلات الحرب اصبح تنشد السلام . بعد ان ضاقت بالفقر ذرعا طلبت التنمية بشدة . لكن هل هذا يعني ان من شروط التطور المعاناة وان البشر الذين لم يمروا بمعاناة ولم تتعثر وجوههم بمساوئها اناس سيئين او ضعيفين ؟ هناك دول مرت بذات ويلات الحروب التي مرت بها اليابان ولم تنشد السلام , هناك دول ضاقت بالفقر كاليابان ولم تطلب التنمية اصلا وهناك دول مرت بأسوء مما مرت بها اليابان والى اليوم لا زالت والى اليوم لا زالت لم تنشد السلام ولم تطلب التنمية . هناك اناس مرت عليهم مشاكل ما و تحسنوا جدا  هناك اناس عاشوا في معاناة واستمروا في الانحدار . المشاكل رسائل ومنبهات ففط لزيادة التركيز و للتحسين وليست طريقا أو شرطا . اذن هناك سؤال اذا لم يعاني الشخص  كيف سيتحسن ؟ اذا لم يعاني الشخص فهو في حالة تحسن اصلا المعاناة عكس التحسن المعاناة تدهور واحباط و جزع التحسن تطور و ثقة وتسليم . الجنة التي تمنى سيتا ان  يصنعها سيتا بحب لأجل اخته تحت الكهف و البهجة التي عاشها عند الشاطئ و البراءة التي كانت تمطر قلب سيتا بابتسامة سيتسوكو و الحضن الذي كان يفتحه سيتا لسيتسوكو فتشعر بالأمان كانت اغلى من كل شيء في اليابان كانت هي سبب استمراره في الحياة ولم تكن لديه هذه المشاعر الرغبات و الامنيات و النوايا لكان قد انتحر وقتل اخته معه او رماها لوحدها في اسوء الاحوال . الحرب اخرجت العديد من الاختراعات بعد الحرب العالمية الثانية تضاعفت العلوم و تطورت الحياة الى عصر جديد .الحرب اخرجت العديد من الروايات العالمية المبهرة . اولا هؤلاء كلهم كانوا في جامعاتهم ومعاهدهم ولم يعيشوا في معاناة الحرب ولا فقرها و العلم الذي باعه بعضهم أضر البشرية في ذلك الوقت والى اليوم واخرها عن التحسن . كذلك الروايات العالمية هذه كانت نتاج كتاب متعلمين من دول غنية و ما كانت هدفها الا السلام و الرحمة و ضد الحرب طبعا اقصد ما افاد البشر منها وليس ما اضرهم .

هناك بدأ الدين يختفي من المجتمع ! 

بعد ان تسلط العنجهية على اليابان رضخ المتدينون في اليابان لها وباعوا لها دينهم فاستعمله أولئك بلا هوادة في دعم لعبهم و انانيتهم فكانوا يدعون الطيارين ان ينتحروا باسم الدين , كانوا يقتلون ويغتصبون باسم الدين كانوا يألهون الحاكم ويقدسونه كذلك باسم الدين . كانوا يسرقون اموال الناس بإسم الدين . بعدما سقطت العنجهية في اليابان و حطم الجنرال الامريكي صورة الامبراطور الإله ابن الشمس تحطمت مع صورته صور كل الكهنة وانحدر اهتمام الناس في اليابان بالدين اصلا الى ان حصر في طقوس في اماكن مغلقة . اليوم في اليابان عدد كبير من الناس يصنفون انفسهم على ان لا علاقة لهم بأي دين , هناك كثير من الاطفال اليابانين يكبرون دون ان يعرف ماهو الدين اصلا ! هناك الكثير ينتحرون لانهم لا يرون اي رسالة للحياة او قيمة فيها ولا اي عمق لها . كل ذلك بسبب كهنة المعابد الكاذبين الذين استغلوا الدين لخوفهم من العنجهية ولطمعهم في شذرات من مال او جاه وكل ذلك ايضا بسبب الذي عبدوهم بلا عقل او بحث . ولو صدقوا لكان خير لهم .

ام سيتا هي ام القرن الواحد و العشرين  

ام سيتا ليست تلك الام الشديدة بل هي في غاية اللطف مع ابنها و بنتها عكس معظم الامهات في العصر الذي عاشت فيه فقد كانوا بسبب ظروف الحرب يخافون جدا على ابنائهم و يستعجلون بشدة دائما بالذات مع عمليات القصف والمتكررة و الجري المتكرر الى الانفاق لكنها كانت ام ساكنة هادئة تتعامل مع ولدها كأنها صديقته ولا تؤمن بالسؤدد في تعاملها مع اطفالها , لم تمنع سيتسوكو من ان تلعب في وقت يجب عليهم ان يعجلوا في جريهم الى المأوى . ام سيتا في فترة الحرب تلك كانت ترى على انها ام سيئة تدلل اولادها وتهملهم . لكنها اليوم هي الام المثالية في نظرنا , لكنها هي ايضا ام سيئة لدى بعض الناس لأسباب مختلفة عن اسباب اليابانيات في فترة الحرب ! 


أين السياسيون و القادة العسكرين و اصحاب النفوذ ؟ 

في فلم مقبرة اليراعات كان صاحب اعلى منصب هو ضابط مكتب الشرطة في القرية . لماذا لم يظهر اي شخص ولا اي انسان صاحب مرتبة عالية في المجتمع ولا للحظة بسيطة ؟ لماذا لم يظهر اي شخص صاحب نفوذ في القصف الذي كان على مدينة كوبي ولا في مدينة فوكوي ولا في القرية الريفية ؟  اعتقد انك تعرف الاجابة .

دفن تراث اليابان مع حطام المنازل المحترقة 

مدينة كيوتو المليئة بالتاريخ العريق كانت من المدن القليلة في اليابان التي لم تسقط عليها شلالات القذائف  ابدا . لكنها كانت في القائمة القذرة لإختيارات القاء القنبلة الذرية . العلماء الماديين القذرين في لجنة اختيار الاهداف القذرة فضلوا كيوتو لانها كانت منزل للعديد من الجامعات مما يعني ان فيها اناس اكثر يعرفون ان القنبلة الذرية ليست مثل اي سلاح اخر .  لكن سكرتير الحرب الامريكي رفض ان تكون كيوتو في القائمة وامر بإزالتها لأنها ذات اهمية ثقافية وليست هدفا عسكريا كما قال . لكن لجنة القائمة كان مصرة عليها لذلك كانوا دائما ما يعاودون اضافتها الى ان تدخل الرئيس وازيلت كيوتو من القائمة في الرابع و العشرين من شهر يوليو واضيفت ناغازاكي بدل منها . لأن الرئيس الامريكي خاف ان قرارا كهذا سيجعل اليابانين يرفضون الوجود الامريكي وينحازون الى جانب الروس ! . من محادثاتهم هذه تعرف الان الامر لا علاقة لها بإنهاء الحرب و حفظ ارواح البشر ولا بمهاجمة المواقع العسكرية لأنهم كانوا يعلمون ان هيروشيما وناغازاكي وكيوتو كلهم لم تكن فيهم مواقع عسكرية من الاساس لكنه كان الانحطاط المريع الشهوة المقززة للتسلط  . كيوتو لم تفقد تاريخها لكن معظم مدن اليابان فقدته على الاقل تاريخها المادي فلقب ذلك الجيل الذي عاش تلك الفترة بجيل الرماد فهو لم يكن له من ما كان له سوى الرماد و الحطام يمشي عليه و ينظره اليه . لكن حتى ولو كان رماد لكنه ما زال ارضنا وحتى ولو دفنت لكنه ما زال تراثنا هذه الروح غرست في قلوب اليابانيين في تلك الفترة فذات المدن الى تحولت الى حطام عادت الى الحياة من جديد ولم يهجرها اهلها . وان كان تراثها مسح من وجه الارض لكنه لم يمسح من قلوب اهلها  

 اريد ان اسد الفجوة بيني وبين المشاهد 

المخرج ايساو تاكاهاتا الذي توفى في سنة 2018 ولد يوم 29 اكتوبر من العام 1935 ميلادي . ايساو فنان قدير عمل على اعمال عالية المستوي مثل هايدي فتاة الالب و فادي بائع الحليب و وداعا ماركو و شما في البراري وكان قائدا لمسيرة افضل سلسلة في تاريخ الانمي متحف التحف العالمية  . كان ايساو منتجا لافلام ميازاكي في جيلي قبل ان يصنع فلمه الأول مقبرة اليراعات . إيساو بعد التجارب العديدة والمختلفة و المميزة التي عاشها والخبرات القوية التي حصل عليها و الفكر العميق اصبح مختلفا بشكل كبير جدا بين المادة التي يريد طرحها و الكلام الذي يقوله وبين استيعاب الجمهور . فكان فلم مقبرة اليراعات محاولة من له لسد الفجوة وايصال ما يريد قوله بأبسط الطرق و اكثرها وضوحا وتعبيرا . الصور تحكي الكثير وتبين ما لا يقدر الكلام على ايضاحه . بعد ان ينتهي الكثير من مشاهدة فلم مقبرة اليراعات سيكون تعليقهم الاهم هو " ياله من فلم مبكي " او ما يشابهه من كلام . لكن هل هذا السبب ؟ هل هذا السبب الذي جعل ايساو ومن معه يسهرون الليالي و يعصرون امخختهم لكي يرسموا تعابير دقيقة لوصف حالة شديد التعقيد و التركيب . ألم يكن لهم من الاسهل لهم ان يصنعوا تعابير حزينة و درامية مبالغة فمثل ما قال ايساو الانمي فن يستعمل تعابير مبالغة فابتسامته اسعد ابتسامة وحزنه اشد حزن . لماذا يضطر ان يعتدل جدا و يكون في غاية الدقة . لإرسال ماذا ؟ هل فقط لكي تبكي وتسلم على الفلم ؟ هل لكونه فلم يجعله شيء استهلاكي لا يستحق الدراسة و التعلم والبحث منه ؟ " مجرد فلم " جملة قتلت صناعة الافلام و ضيعت جهد العديد من المخرجين او ضيعت من يكرر هذه الجملة .

سيتا فتى مدلل مسافر من المستقبل 

يقول ايساو تاكاهاتا في لقاءه مع نوساكا في مجلة animage : " عندما قرأت الرواية لأةل مرة , شعرت ان الشخصية الرئيسية سيتا مميز كطالب في الصف التاسع . وهذا ما رأيته مثيرا للاهتمام . اعتقد الان الاولاد في تلك الفترة كانت لديهم إرادة من حديد ليعيشوا لذلك كانت لديهم قدرة عالية في كبت مشاعرهم و غرائزهم . ان لا اظن ان هذا اختلف من فترة الحرب الى ما بعدها وما تلىها من فترة ازدهار اقتصادي . الاولاد قد تكون تغيرت افعالهم لكن سلوكهم الاساسي لم يتغير . لكن سيتا مختلف . عندما اهانته عمته لم يكبت مشاعره و سحب نفسه ليذهب لمكان اخر . هو لا يكسر قلبه . انا اظن ان مشاعر سيتا هذا النوع من المشاعر تفهم بشكل افضل من اطفال اليوم . جيلي هو الذي يظن ان عليه كبتها . اطفال اليوم يكررون هذه العبارة " انها تزعجني " It piss me of " mukatsuku " ( تجعلني اغضب , تجعلني مستاءا ) . انها يبنون قرارتهم على ما اذا كانت تريحهم ام لأ . طريقة عيش وخيارات سيتا تتشابه معهم . لذلك رايت انه سيكون امر ممتاز اذا استطعت ان احول هذه الرواية الى فلم اليوم . " يقول نوساكا كاتب الرواية الاصلية  : " الشخصية الرئيسية مدلل بالنسبة لأطفال الحرب . اظن ان اطفال اليوم سيقعلون مثله اذا وضعوا في ذات الموقف . أخ و أخت يعيشان لوحدهما ام البيئة الشرسة بأن يغلقوا ا على انفسهم في عالمهم الخاص . عندما يفقدون سندهم الوحيد امهم , الاخ الاكبير يقرر ان يكون راعي اخته الصغرى , حتى لو عنى ذلك ان يجعل العالم كله عدوا له . سيصل الى مرحلة لا يهتم حتى لو اصبح غذاء لأجل اخته . من ناحية اخر هذا امر مؤسف جدا , لكنه ايضا امر مبهج جدا . فبالنسبة لسيتا الامر اشبه بأنه يحاول ان يبني جنة فقط لأجلهما الإثنين . "

نحن دائما نصنع اعدائنا الاشرس ابنائنا !

هل تتوقع انك عندما تهين احد ما وتحقره وتضره وتمنعه ان يعيش هل سيطيعك او سيكون لك دعما ؟! العكس تماما سيكرهك وسيكون لك ضدا . عندما يستحقر الطفل ويظلمه ويمنعه من حقه فسيفعل ذات الشيء . ان لم يجد من او ما يعالج له هذه الاثام و الاضرار . سيتا بعد ان ساءت حالة اخته وحاول في كل مكان ولكل احد ان يساعدها لكنه لم يجد اي مساعدة . قرر ان يخترق القذائف ويجري تحت الهجوم والموت ليسرق بيوت الناس ليجلب لأخته الماء والاكل لم يكن هذا خيارا صائبا بالعكس اضر بأخته . لكنه استمر لأنه كان بالنسبة له الحل الوحيد واصبح يهتف للطائرات ذاتها التي دمرت بيته بعد ان وجدها هي الوحيدة التي تساعده ضد هذا المجتمع القاسي و الظالم . سيتا في النهاية توقف فأخته كانت ترفض اكل الطعام الذي يسرقه سيتا فكانت تعلم انه سرقه مع انه لم يخبرها . لكنها عرفت ذلك عندما كانت تستيقظ و تجد اخيها مختفيا . سيتا رضى بقرار اختها لكنه قرر ان يركب القطار ويذهب ليحصل على اموال امه في مدينة كوبي وترك اخته مرة اخرى لوحدها . كان هذا الامر هو الاشد تأثيرا على سيتسوكو التي رأت فقدان امها وظلم عمتها لها ولأخيها . وتجاهل الناس لهم و قسوة بعضهم عليهم و الضرب المبرح الذي تلقاه سيتا لأجلها . لكنها كانت تنسى كل ذلك ولا تهتم بسبب اهتمامها العالي بالحب الذي يقدمه لها سيتا والحب الذي تعطيه هي إياه . حب سيتا كان اغلى من اي شيء بالنسبة لسيتسوكو اغلى من اي شيء . 

سيتسوكو من منظور اخر 

من الواضح اننا هنا نركز على سيتا كونه هو الشخصية الرئيسية الاكثر فعالية في الفلم فبالتي هو الذي يحمل معظم رسائل و اهداف الفلم . لكن هناك وجهة نظر اخرى ترى سيتسوكو انها هي جوهر الفلم و مركزه . فسيتا لا يمثل تاثير قوي فهو لا يرسل ذلك الكم من العواطف التي ترسلها سيستوكو ذات الاربع سنوات الى المشاهد , فيحزن لأجلها و يفرح لأجلها و يبكي لأجلها  . لكن سيتا ما الذي يحركه من عواطف ؟ لا شيء سوى الشفقة عليه او حزن عليه لكنه لا يصل للذي تحركه اخته بشدة . يمكن ان ذلك بسبب تصميم شخصية سيتا فتعابير وجهه ليست صريحة و مبالغة مثل تعابير وجه اخته . ايضا سيتا شكله عادي غير مميز ولا جميل عكس اخته اللطيفة و الجميلة التي تجذب النظر بسرعة . 
انا ارى ان وجهة النظر هذه تحمل شيئا من الكسل فموضوع الفلم اكبر من عواطف شخصية . لكنه فكر لا يرى بالعين المجردة لكن بعين الحكمة و التفكر .

عندما لا يعرف احد ماذا يحدث حتى عندما تدق الكارثة ابوابهم 

الوعي هو ان تعرف ماذا تريد وكيف تريده ولماذا تريده . عندما يكون الوعي يكون الادراك و الانتباه . عندما يغيب الوعي يتشتت الناس ويضيعون . عندما يتشتت الناس و يضيعون يقعون في المصائد وفي الفوضى و الكوارث . المجتمع الياباني قبل الحرب العالمية الثانية كان يعيش في تشتت وتخويف . مثلا في السياسة كانت هناك ملاحقات شديدة و اضطرابات في الجانب السياسي . اقتصاديا كذلك كانت السوق في حالة غير صحية و غير متوازنة . وفي غيرها كذلك . لكن معظم الشعب لم يكن يدرك ذلك وكان يعتبر هذا الامر طبيعيا بشيء من الانهزامية لمن تسببوا في هذه الامور . في مثل هذه الجو الملئ بالخوف تولد الكوارث

سيتا و سيتسوكو احياء في قلوب اطفال 

الحب الذي كان بين سيتا و سيتسوكو يلامس اعماق قلوب الاطفال , الذين في دواخلهم لو كان احد من من يحبونهم يتألم سيضحون باوقتهم لأجله و سيظهرون ذات الحنان اللي اظهره سيتا ليستوكو , كذلك سيظهرون ذات التقدير والاحترام و السند الذي اعطته سيتسوكو لاخيها سيتا . الرحمة و الدفء الذي كانا يعشانه مع امهما وفقداه ايضا يفهمه الأطفال ويزعجهم جدا ان يتخيلوا ان يفقدوا والدتهم ويعرفون شدة هذا الامر . لعب سيتا وسيتسوكو عند الشاطئ و البهحة التي ارتسمت على وجوهيهما يعرف الاطفال مقدارها و تأثيرها . الاحداث التي مرت على سيتا و سيتسوكو و الاثر الذي وضعتهم عليهم يفهمها الاطفال حتى لو لم يعلموا ماهي الحرب وماهي اليابان اصلا . وهذا دليل على شدة واقعية كتابة شخصية الفتى سيتا و الفتاة الصغيرة سيتسوكو التي يفهمها الطفل كما يفهم غيره من الاطفال . ودليل على العرض و الانميشن الرائع كما هي العادة من استيديو جيبلي .

فلم مقبرة اليراعات من منظور اخر 

هناك وجهات نظر اخرى تكره فلم مقبرة اليراعات . فمثلا شخص في موقع myanimelist  يقول ان سيتا "ومع ذلك ، فإن سيتا ، على الرغم من الاهتمام المفترض بأخته ، لا يمكنه تحمل هذه الإهانة اللفظية الرهيبة على كبريائه. يغادر منزل عمته ، ويتجاهل نصيحة المزارع اللطيف الذي يأمره بالعودة والاعتذار ، ويستمر في اللعب مع أخته الصغرى بشكل غافل ... حيث يموت كلاهما جوعاً ببطء. وهكذا ، فإن سيتا هو وحش قاسٍ وغبي تمامًا ، ومسؤول ليس فقط عن موته ، ولكن عن وفاة أخته أيضًا. هذه مشكلتي الأولى مع "قبر اليراعات". أن الشخصية الرئيسية هي المسؤولة عن المأساة التي تلت ذلك." وانه لم يشعر بالشفقة اصلا على الشخصيتين الرئيسيتين . و لا يرى اي معنى او رسالة من الفلم و ان المخرج فشل في ان يصنع ذلك . وان مشاهد فرح سيتا وسيتسوكو هراء غير واقعي , كذلك عدم بكاءه عندما رأى جثة امه و ردة فعل اختها خالته و تصرفها اللئيم مع سيتسوكو ذات الاربع اعوام يراه كذلك تصرف غير واقعي و هراء . ويختم كلامه قائلا : " أخيرًا ، يجب أن أشير إلى أن الفيلم شبه سيرة ذاتية. واجه المخرج والكاتب تاكاهاتا نسخة من هذه الأحداث مع أخته الصغيرة. فقط في الواقع ، سرق منها الطعام. ماتت ونجا.الآن كانت هذه قصة قبيحة وحقيقية تستحق الرواية."
في بداية مراجعته يقول " إلا أنهم لا يكافحون حقًا. ليس في البداية ، على أي حال. لديهم عمة محبة ترغب في منحهم مكانًا للإقامة والمساعدة في الطهي والاعتناء بهم. بعيدًا عن أن يكون ممتنًا وشاكراً لهذا التحول المحظوظ للأحداث ، فإن سيتا غاضب وممتعض. لماذا ا؟
حسنًا ، لأنها تقدم أحيانًا تعليقات غير حساسة حول كيفية لعب سيتا طوال اليوم مع أخته وتناول طعامها ، بدلاً من الذهاب إلى المدرسة أو العمل. وتعلم ماذا؟ إنها محقة تمامًا!
كان يُعتبر البالغ من العمر 14 عامًا في الأربعينيات من القرن الماضي شخصًا بالغًا ناضجًا ، خاصة خلال فترة وجوده في اليابان ، بشكل مضاعف أثناء الحرب ، وأكثر من قادر على العمل من أجل لقمة العيش.

في ذلك العمر ، كان أجدادي وأجدادي (الذين ولدوا في نفس الوقت تقريبًا مثل سيتا ، باستثناء الاتحاد السوفيتي ، حيث مات عدد أكبر بكثير من الناس جوعاً حتى الموت أثناء الحرب مقارنة باليابان) إما في الجيش أو العمل لإعالة أسرهم. لم يكن هذا يعتبر مأساويا أو غير عادي. كانت ببساطة الطريقة التي كانت عليها الحياة في ذلك الوقت بالنسبة للبلدان التي كانت في حالة حرب شاملة." وهذا امر يجعلني اتسائل هل فعلا قرأ التاريخ او عاش مع البشر ؟ ام هل فعلا شاهد الفلم الذي وجد فيه سيتا الفتى الحقير سارق طعام اخته و غير مبالي لها و كسول لا همة له ولا طموح في الحياة ؟ . و تلك العمة المحبة أين رأها ؟ ام انه كان يشاهد نفسه ؟
ايضا وجهة نظر اخرى من مخرج الفلم نفسه تاكاهاتا ايساو حيث يقول : 
"[الفيلم] ليس على الإطلاق مناهضًا للحرب ولا يحتوي على مثل هذه الرسالة على الإطلاق". بدلاً من ذلك ، كان ينوي نقل صورة الأخ والأخت اللذين يعيشان حياة فاشلة بسبب الانعزال عن المجتمع وان يست
دعي التعاطف لا سيما لدى الأشخاص في سن المراهقة والعشرينيات ، الذين شعر بالحاجة إلى تقويمهم واحترامهم لكبار السن  لأجل الألم و المعاناة التي مروا بها خلال أحلك نقطة في تاريخ اليابان " . 
 
كم من سيتا و سيتسوكو في العالم
في نهاية الفلم نزل سيتا و سيتسوكو من ذلك القطار الذي كانوا يراجعون به حياتهما . بعد ان رأت سيتسوكو جثة اخيها وهبت إليه , اوقفها سيتا بلطف وابتسم اليها وابتسمت اليه فركب معها القطار عائدا الى حياته السابقة يراجعها و يتعلم منها بعد ان انتهت رحلتهما . جلسا على كرسي فوق حديقة مليئة بالشجر مطلة على اليابان في فترة ازدهارها الاقتصادي . ابتسما بدفء وهما ينظران الى مدينتهما وهم ينظران الى بعضهما البعض لكي تطئمن نفوسهما في سكينة و تقارب فيحل عليهما النعاس وينامان بسلام . اليابان اليوم تعيش في نعمة السلام العظيمة وفي رغدها تطورت . واظن ان ايساو تاكاهاتا انهى الفلم بهذا المشهد لكي يشعر بهذه النعمة وبراخئها وان يكون ممتنا لها . في مناطق اخرى في العالم لا زال الاطفال يعانون وطأة الحرب , تقتل امهاتهم بالطائرات , يفقدون ابائهم في المعارك و بالرصاص . ولا يزالون يعانون من المجاعة ويموتون بشح المياه وسوء التغذية . وكذلك لا زال فيه اطفال مثل سيتا و سيتسوكو اطفال يقضون هذه الاوقات الصعبة بأن يحمل بعضهم على بعض . اخ يحب اخته من قلبه , يحملها على ظهره ويفعل لها كل ما بوسعه تمثل له ابتسامتها كل سعادته . او اخت تحمل اخيها الصغير على ظهرها وتبذل كل الغالي والنفيس من اجله . اخ و اخت او اب وابنه او بنت و ام وبنتها او ولدها او اي اثنين او اكثر يحملان الحب و المسؤولية و العطف واللطف لبعضهم البعض . بمثل هؤلاء تصلح الاوطان ويسعد اهلها . في العالم العربي حتما هناك من هم مثل سيتا وسيتسوكو في فلسطين من فقدوا والديهم برصاص المحتل  وقرروا ان يكفل بعضهم البعض وفي السودان وفي اليمن وفي العراق و في سوريا وفي ليبيا وفي الصومال هؤلاء هم امل العالم العربي هؤلاء من تمتلئ قلوبهم بالرأفة و الرحمة . هؤلاء هم من صنع مجد اوروبا الحقيقي وليس مجدها السياسي المزيف  وهؤلاء من تفخر بهم رواياتها العالمية و اقتباستها مثل سلسلة انمي مسرح تحف العالم . وايضا هم الذين صنعوا مجد التاريخ الإسلامي بعلي اخلاقهم و رفعة قيمهم .

العمل تركيز تخطيط رؤية وليس صراخ و شعارات ومواضيع شخصية

هل كل شيء سينتهي عند مشاهدتنا للفلم وفقط , بدون ان نتعلم منه ونغير في حياتنا . والتغيير يكون بالعمل وأوله عمل مع النفس ثم عمل مع الاخرين . في الثلاث الفقرات سأكتب معلومات عامة قد تكون مفيدة عن التغيير .

التعريف

التغيير هو عملية التي يتحول فيها شخص من مرحلة او حالة او واقع ما الى مرحلة او حالة او واقع اخر . ويختلف نوع التغيير حسب نوع التحول . التغيير عملية مستمرة لا تتوقف , فالشخص الذي ينجح في ان يحقق التغيير الذي يريد هو الذي يستمر عليه والا فسوف يتغير الى غيره . هناك نوعين اساسين للتغيير . الداخلي وهو التغيير الجوهري وهو اساس التغيير الخارجي الذي يظهر على السطح ويرى بالعين .  علاقتك مع الهدف الذي تريد تحقيقه اول ركن في مسألة التغيير ثم يأتي علاقتك مع الواقع التي تريد تغييره . فعلاقتك مع الوسيلة التي ستسعملها فكريا ثم عمليا . 

الأسباب

هنا سأستعرض بشكل بسيط الاسباب التي تمنع من التغيير . اولا بناءا على العلاقة مع الهدف . اذا كانت علاقتك مع هدفك سيئة فهنا من سابع المستحيلات ان تقوم بأي تغيير . مثلا شخص يريد الغنى لكنه يرى ان الغنى لا يكون الا بالسرقة و الكذب وهو انسان بالنسبة له الوفاء و الصدق قيم عالية . فهو من المستحيل ان يصبح غنيا . اخر, انسان يريد ان يتزوج لكنه يريد ان يتزوج لأنه يريد ان يسكت الناس او ان يتابهى امامهم بزواجه . هذا قد يتغير لكن للأسوء لأن هدفه اصلا سيء او لن يتزوج  لأنه بالنسبة له الصدق و الإخلاص قيم عالية جدا . او انسان يريد ان يعمل شيئا ما وبالنسبة له هذا الشيء هو الذي سيحل كل مشاكله و يحول حياته جنة , هذا تقديس وتعلق سيجعل الانسان يصبح اشد كارهي ما كان يعمل لأنه سيكتشف في النهاية أنه لم يكن مثل ما كان يظن . او ان يستسلم في اول منعطف . ثانيا بناءا على العلاقة مع الواقع الذي يراد تغييره . اذا كان انسان علاقته مع الواقع الذي يريد تغييره قوية جدا و متأصلة سيصعب عليه التغيير . مثلا انسان تعود ان يكون غضوباً وبالنسبة له هذا الامر من اساسيات نفسه و مفيدا جدا له ويعطيه هيبة سيكون من الصعب عليه ان يصبح لطيفا . او انسان اخر مبرمج في عقله انه فقير او غبي ومقتنع جدا بهذه الفكرة ويرددها كثيرا أما من حديثه مع نفسه او حديثه مع الأخرين , فأيضا من الصعب ان يتغير ان لم يغير هذه المعتقدات . نأتي للأخف وهو ان يكون السبب مع العلاقة الفكرية او العملية مع الوسيلة , وهذه سهلة و مسألة وقت فقط لتختفي مشكلتها سواء كانت عدم علم بالوسيلة او عدم حب لها او عدم معرفة استعمالها او فشل في استخدامها او غير ذلك كلهم مع الاستمرار و المحاولة يزيلون لكن اذا لم تتحدث مشاكل مع العلاقة مع الهدف او مع المرحلة الحالية .

الحلول

الجسلة مع النفس هي قد تكون اهم حل و بداية كل الحلول هي ان تعرف نفسك . ان تعرف معتقداتك و افكارك وتناقشها مع نفسك وان تحدد اولوياتك و ما لك و عليك وما فيك وما ليس فيك . لكن وهذا هو الأهم بلطف و رأفة فاكبر المضرة ان تقسو على نفسك و تظلمها . من هنا استطيع ان اعرف هدفي وان استطيع ان اعدل علاقتي معه بالنحو الذي يساهم في تحقيقه . ومن هنا استطيع ان اعرف المرحلة التي انا فيها وان اعدل في علاقتي معها بالنحو الذي يساهم في انتقالي منها بأن اتقبل وضعي الحالي ولا اجزع او أكره نفسي لكونها أقل مما اطمح . وهذه تجربة شخصية لي , بعد عدة جلسات مع نفسي قررت ان اكون انسانا اكثر لطفا في تعاملي مع من حولي وانا متعود منذ الصغر على شيء من الجدية او المزح او العصبية او الشجاعة وغيرها من انواع التعاملات المنتشرة في المجتمع الذي حولي والذي اقل شيء فيها هو نوع التعاملات اللطيفة . قد يكون الكلام مضحكا اذا قلته في مجلس عام مع اصدقائك او اقربائك او غيرهم . لكنه هنا اساسي جدا و من يستغرب منه عليه ان يعيد مشاهدته لفلم مقبرة اليراعات . اكبر مشكلة واجهها سيتا وسيتسوكو هو انعدام او ضعف اللطف بأنواعه في من حولهم و بسبب ان سيتا لم يجد اي احد يتعامل معه بلطافة او مع اخته  اصبح يهتف للطائرات التي تقصف مدينتهم . لذلك بدأت في البحث في نفسي في الذي يمنعني ان اكون كذلك فوجدت برمجات و معتقدات في غاية الغباء مثل الخوف من البشر بلا سبب فقط بسبب تجارب سيئة قديمة او ان اللطافة كذب وتصنع و تشبه بالنساء . فقررت ان استبدلها بما هو افضل منها واحسن (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . بعد عمل وتدرب أرى انني تحسنت شيئا , فأصبحت اعتذر بسهولة اذا اخطأت و اشكر الاخرين بحفاوة . مع انني لا زلت شديدا في بعض الامور او كثير منها الله اعلم , لكن ان شاء الله تتحسن مع الوقت . اتمنى لي ولكم الخير 


إيساو تاكاهاتا

في الختام أريد ان ارسل رسالة شكر الى تاكاهاتا ايساو الذي رحل عن عالمنا و ترك لنا من الاعمال العظيمة والرسائل التي تحيي القلوب . مقبرة اليراعات هذا الفلم الملئ بالاخلاق العالية والقيم الانسانية التي ربح من اخذ بها . شكرا لك من اعماق قلبي على الجمال الذي نسجته باتقان فأمسى نجما فوق الظلام و عين ماء لم تروي الشاربين . شكرا لك , انا ممتن لك .